موقع مقالة نت
اهم المقالات التي تهم القارئ العربي

نزوى “تتكلم عربي” ويجب أن نعود إليها مرة ثانية وثالثة وعاشرة

0 23

مسقط-أثير
كتب: محمد بن علي الوهيبي-كاتب عماني

كما ذهبنا إلى نزوى قديمًا في طلب العلم يبدو أننا يجب أن نعود إليها مرة ثانية وثالثة وعاشرة كي نتعلم منها كيف صنعت إنسانها الحديث الذي يتصف بالواقعية والفطنة والاتِّزان والعقلانية وحسن التَدْبِير والصبر ثم الصبر في اكتساب العلم والخبرات العملية والحياتية وحب المغامرة واقتحام المجهول.
وكيف علمته نزوى كي يكون كما رأيناه في عصاميّته وكفاحه واعتماده على نفسه شاقا طريقه إلى المستقبل برؤية مستنيرة وأمل كبير.

ونحمد الله أن نزوى عمانية من الأرض إلى السماء عربية الهوية واللسان، وعندما تكون في نزوى لا تحتاج لترجمان؛ حيث سيغمرك هذا الشعور عند كل مرة تطأ قدماك أرض نزوى.


حينما بدأتُ كتابة هذه السطور عن نزوى لا أعلَمُ لماذا خطرت على البال الحكاية التي رواها الكاتب والروائي البرازيلي باولو كويلو والتي تتضمن حكمة عظيمة في كيفية لملمة بعثرة الإنسان وإعادة تشكيله من جديد ليساير حاضره ويمضي إلى مستقبله بعزيمة وإصرار، وملخص ما سرده كويلو:
“كان الأب يحاول أن يقرأ الجريدة، ولكن ابنه الصغير لم يكف عن مضايقته، وحين تعب الأب من ابنه قام بقطع ورقة في الصحيفة كانت تحوي خريطة العالم ومزقها إلى قطع صغيرة وقدمها لابنه وطلب منه إعادة تجميع الخريطة ثم عاد لقراءة صحيفته ظانا أن الطفل سيبقى مشغولا بقية اليوم إلا أنه لم تمر خمس عشرة دقيقة حتى عاد الابن إليه وقد أعاد ترتيب الخريطة فتساءل الأب مذهولا: هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا؟! فرد الطفل قائلا: لا لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة، وعندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم”

هي عبارة قالها الطفل لأبيه بكل بداهة وعفوية طفولية ولكنها في واقع الأمر ذات مغزى عميق، وفي بلادنا يمكننا أن نربط معنى ومغزى هذه الحكاية التي قالها لنا باولو كويلو بالإنسان الذي كونته وعلمته نزوى.

فأبناء نزوى لا يأنفون العمل بأي مهنة تضمن لهم الاعتماد على النفس والعيش الكريم، رأيتهم على قارعة الطريق وأمام سوقهم الشهير وداخله يعرضون ما تجود به مزارعهم من منتجات ومن خيرات ولاية الجبل الأخضر، وما جاورهم من الولايات.


وقف فتيان نزوى بعيدًا عن الحسابات الخاطئة ومراهنات الفشل والخطط الارتجالية، ابتعدوا عن منهجية الترقيع والمسكنات التي لا طائل منها؛ فعملوا في كافة المهن التقليدية والمشغولات اليدوية كصناعة السيوف والدروع والخناجر وسائر المصوغات الذهبية والفضية وصناعة الفخاريات والسعفيات وصناعة الحلوى، وفي ورش النجارة وأعمال الديكور.


التقيت بهم في محلات الأجهزة الإلكترونية والبرمجيات، وجدتهم في دكاكين الملابس والأقمشة بأنواعها المختلفة وتلك التي تواكب أحدث الماركات والموضة العالمية.

لاحظتهم في المطاعم والمقاهي هم يملكونها وهم يديرونها، وبأنفسهم يقدمون الخدمة للزبائن.
رأيتهم يعملون في إدارة ورش إصلاح المركبات وبأياديهم يتقنون العمل في مختلف تخصصات الميكانيكا وأعمال إصلاح الإطارات وكهرباء السيارات.

شُبّان نزوى لم يقفوا على جدران الطين العتيقة ليبكوا ويتباكوا على الأطلال بل تنافسوا ليفرضوا كينونتهم ويلفتوا الأنظار إليهم بأنهم من هذه الأرض وعليها ما يستحق الحياة.

فحولوا حارة العقر وحاراتهم القديمة بإطلالاتها الرصينة والجميلة إلى أماكن جالبة للدهشة والسعادة والبهجة والفرح، تنافسوا ونافسوا ليفرضوا وجودهم، ويعلنوا تفردهم وأسبقيتهم وعلو كعبهم.

في نزوى يمكنك أن ترى وتسكن في نُزل أو (موتيل) كان عبارة عن بيت طينّي قديم هُجر من سنين فأُعيدت إليه الحياة، وفي بيت طيني آخر يوجد مقهى يمكنك أن تستمتع فيه بأي نوع من أنواع القهوة ونكهاتها المختلفة بكل طقوسها على وقع موسيقى شوبرت، وبيتهوفن، وأغاني السيدة فيروز.

وفي الجانب الآخر ستجدُ من يصنع ويقدم شطائر “البرجر” بنكهات ولمسات نزوانية خالصة.

بالتأكيد لن أستطيع حصر كل ما رأيته في هذا السطور عن الجميلة نزوى، فهناك الكثير والكثير الذي ستخبرك به نزوى حينما تزورها.

أَبصرتُ مدينة نزوى وكأنها تعيد من جديد تشكيل وعينا وتعلمنا بأن القوة والسيطرة الحقيقية لأي دولة على أرضها لا تكون إلا في ابن مكانها، وبأن الأوطان لا تبنى إلا بسواعد أبنائها. وبالمفهوم العماني الإنسان هو المال وهو رأس المال.

اضف تعليق