موقع مقالة نت
اهم المقالات التي تهم القارئ العربي

سَلُّوت؛ هزيمة الفرس لأول مرة في التاريخ أمام العرب

0 9

مسقط-أثير
إعداد: مروة بنت سيف بن حميد العبرية، باحثة في التاريخ

منطقة سَلُوت وتحديدًا أمام حصن سَلُوت، هُزم الفرس لأول مرة في التاريخ أمام العرب، معركة جرت بين الفرس والعرب في عام 196 الميلادي، تحرر إثرها جانب كبير من شبه الجزيرة العربية من الفرس، إذ كانوا يسيطرون على مدائن العراق حتى اليمن مرورا بعُمان، وذلك في ظل صراع بين نفوذي العالم القديم: الدولة الفارسية، والروم البيزنطية.
تصف بعض الدراسات التاريخية سلّوت بأنها أرض صحراء بين بسياء وجبرين بهلاء بجوار نزوى سفح الجبل الأخضر بها قصر كبير، وكانت الفرس تعسكر فيها.
تمتد صحراء سلوت من سفح الجبل الأخضر مشتملة على واحة بهلاء ذات الأسوار العالية التي كان يتحصن فيها الفرس قبل مجيء القبائل العربية بقيادة مالك بن فهم (ت:157م) إلى سلّوت، لتشكل تجمعا مترابطا لمواجهة الفرس.
لم يدخل مالك بن فهم في حرب مع الفرس بحرب مباشرة إنما أرسل إليهم ابنه هناءة مفاوضا في ألفي فارس، غير أن الفرس رفضوا استقرار مالك بن فهم في عُمان، وأخذوا يعدون العدة للمواجهة، فعمل مالك بن فهم على ترسيخ وجوده في عُمان، فشرع في شق الأفلاج وإعمار القرى لجنده وعوائلهم في صحراء سلوت بهدف الاستقرار، وفي الوقت ذاته كان يعد جيشا لمواجهة الفرس فبلغ عدد جنده 6000 ويقال 8000 مقاتلٍ بين فارسٍ وراجل، وجعل على ميمنة الجيش ابنه هناءة وعلى ميسرته ابنه فراهيد، وكان هو القلب.
تضمن جيش مالك بن فهم مجموعة فرق: فرقة الفرسان وفرقة المشاة وفرقة الرماة، أما الجيش الفارسي فتكون بالإضافة إلى الفرسان والمشاة والرماة من فرقة الفيلة، وقد بلغ تعداد الجيش الفارسي 40 ألفًا، وقيل 30 ألفًا.
“ركب مالك بن فهم فرسا له أبلق، وظاهر بين درعين، ولبس عليها غلالة حمراء وتكمم على رأسه بكمة حديد، وتعمم عليها بعمامة صفراء،وركب معه ولده وفرسان الأزد على تلك التعبئة، وقد تقنعوا بالدروع والبيض والجواش، فلا يبصر منهم إلا الحدق” أبو المنذر سلمة بن مسلم في كتاب الأنساب.
أخذ مالك بن فهم يدور بين الجيش ويرفع من حماسهم ويقول” يا معشر الأزد، أهل النجدة والحفاظ، حاموا عن أحسابكم، وذبوا على مآثر آبائكم، وقاتلوا، وناصحوا ملككم وسلطانكم، فإنكم إن انكسرتم وهزمتم، اتبعكم العجم في كافة جنودهم، فاختطفوكم، واصطادوكم بين كل حجر ودر، وباد عنكم ملككم، وزال عنكم عزمكم وسلطانكم، فوطنوا أنفسكم على الحرب، وعليكم بالصبر والحفاظ فهذا اليوم له ما بعده. ونادى فيهم: يا معشر فرسان الأزد احملوا معي، فداكم أبي وأمي على هذه الفيلة فاكتنفوها بأسنتكم وسيوفكم. ثم إن المرزبان زحف بعسكره، وجمع قواده، وجعل الفيلة أمامه، وأقبل نحو مالك بن فهم وجيشه.
ابتدأت المعركة وقادها من الجانب العربي مالك بن فهم ومن الجانب الفارسي المرزبان عامل الملك الفارسي دارا بن دارا بن بهمان. وخطط الجيش الفارسي بأن يكتسح قوات مالك بالفيلة، ثم يقوم الفرسان والمشاة بمهاجمة ما يتبقى من جند مالك بن فهم، أما خطة جيش مالك بن فهم فرأت مواجهة الفيلة بفرق المشاة بضرب خراطيم الفيلة، لترتد على أصحابها، كي تلقي أيضًا بمن عليها من جند ولزرع الخوف في جنود الفرس.
نفذ كل فريق خطته لكن المعركة لم تحسم مباشرة بل استمرت لثلاثة أيام، فكثر القتلى فيها من الجانبين، ثم تقدم الجيش الفارسي بعرض المبارزة بين قادة الجيش، فوافق مالك بن فهم، فتقدم بالمبارزة بنفسه، فقتل ثلاثة مبارزين من أصل أربعة فتراجع المبارز الرابع.


ولما رأى المرزبان ذلك تقدم بنفسه وبارز مالكًا، وأسفرت المبارزة عن قتل الحاكم الفارسي، ثم التحم الفريقان للقتال فقتلوهم قتالا شديدًا من ظهر النهار والعصر حتى تم سحق الفرس وهزيمتهم.
فتقدم الفرس بطلب هدنة وأرسلوا إلى مالك بن فهم أن يمن عليهم بأرواحهم وأن يكف عنهم الحرب ويؤجلهم إلى سنة ليستظهروا على حمل أهلهم من عُمان. وأما بقية الناس من الفرس فلهم أن يبقوا في عُمان مسالمين، وألا يبدأوا بقتال فوافق الفرس وأخذ عليهم مالك بن فهم العهد بذلك.
لكنهم نقضوا العهد وأتاهم المدد الفارسي من الملك الفارسي فأرسل إليهم 3000 مقاتل إلى الفرس في عُمان استعدادا للحرب، وقاتلهم مالك بن فهم قتالا عظيما وانتصر عليهم وسبى ذراريهم وأخذ أموالهم وسجنهم، وبعد ذلك أخذ المساجين وأركبهم البحار وقام بإجلائهم من عُمان.
فدبت الحياة من جديد في عُمان، وشدت إليها الرحالة وحكمها مالك بن فهم 70 عاما، حتى وصل حكمه إلى البحرين وأجزاء من العراق، لكن كتب له أن يموت على يد أحب أبنائه عن طريق الخطأ، كانت نتيجة كيد أبنائه، إذ كان يؤثر ولده سليمة على بقية إخوته، وكان ولدا نجيبا فكان مالك بن فهم لا يثق في غيره إذ وضعه حارسا عليه، وبدأ إخوانه يكيدون لأخيهم واتهموه بالضعف والعجز وبأنه ينام أثناء الحراسة، وليتأكد مالك بن فهم من كلام أبنائه أتاه ليلا ولم يعلم سليمة أنه أبوه فرماه في الحال فأصابه في قلبه فقضى عليه، وقال شعرة المعروف في ذلك ” أعلمه الرماية كل يوما فلما اشتد ساعده رماني”.

يجمع الدارسون على أن أسباب النصر في المعارك لا تعزى إلى التفوق في التسلح ووفرة العدة والعتاد فحسب – رغم ما لذلك من أثر في تحديد مصيرها – بل تعود كذلك إلى القيادة الواعية والشجاعة. ولا تعوزنا الأدلة المتعددة والمتنوعة للبرهنة على صحة هذه المقولة في التاريخ الإنساني، فكثيرة هي الحروب التي استطاعت الفئة الصغيرة أن تحقق الغلبة على الفئة الكبيرة، ويكفي التذكير في هذا الصدد بمعركة بدر الكبرى وغزوة الأحزاب وملحمة حطين والقائمة تطول. ومعظم الانتصارات التي سجلها تاريخ الإنسانية تؤكد أهمية عنصر القيادة، فبقدر ما تكون هذه الأخيرة على وعي وإدراك بخبايا الحروب، مع مسحة من الجرأة والشجاعة، بقدر ما كان ذلك صمام أمن من أية هزيمة محتملة. ولعل نموذج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصلاح الدين الأيوبي في التاريخ الإسلامي وهانيبال والأسكندر المقدوني ونابليون وغيرهم من القادة العسكريين العظماء في التاريخ الأوروبي خير دليل على ذلك.
من هذه القواعد والتجارب التاريخية، يمكن تفسير الانتصار الساحق الذي حققه الأزد العُمانيون في معركة سلوت تحت قيادتهم الشجاعة المتمثلة في مالك بن فهم. ولا غرر فإن المصادر تجمع على بأسه وشجاعته حيث كان يتقدم الصفوف الأولى في الحروب بجرأة نادرة وبسالة ذكرها المؤرخون بإعجاب.
وكان الأسلوب القتالي الذي اتبعه مالك بن فهم ينم عن تقنيات فريدة ومستوى عالٍ من التدريب العسكري إذ كان على معرفة دقيقة بقواعد الطعان، وهو ما يفسر قول الشيخ السالمي إبان حديثه عن مواجهته للفارس الثاني من مرازبة الفرس الذين طلبوا منه المبارزة: (ثم حمل الفارس الثاني على مالك وضرب مالكا، فلم تصنع ضربته شيئا، فضربه مالك على مفرق رأسه)، مما يدل على إتقانه لأسلوب الدفاع والهجوم فضلا عن ذلك كان مالك بن فهم يعرف كيف يمتص حماس العدو المهاجم عن طريق الحيلة والذكاء ليحول هجومه إلى اندحار، وهذا ما عبر عنه الشيخ السالمي أيضا إبان حديثه عن صراع مالك بن فهم مع حاكم الفرس – المرزبان – حين قال: (ثم إن المرزبان حمل على مالك بالسيف حملة الأسد الباسل، فراغ عنه مالك روغان الثعلب وعطف عليه بالسيف فضربه على مفرق رأسه). وكانت ضرباته من القوة والبأس ما جعل سيفه يخترق الدرع والبيضة التي كان يلبسها قادة الجيش الفارسي الذين واجههم عن طريق المبارزة الفردية، فعندما قاتل الفارس الثالث أفلح في ضربه على عاتقه فقسمه قسمين بل انتهى السيف إلى الحصان الذي كان يركبه (فرمى به قطعتين) وهذا تعبير يفسر مدى قوة ضربات مالك بن فهم ويعطي الدليل على شجاعته وبأسه.
وللدلالة على دور شجاعة مالك بن فهم في صنع انتصار معركة سلوت يكفي القول إن المبارزات الفردية التي سبقت المعركة والتي أظهرت فيها ضوربا من البسالة قد أرهبت العدو ومهدت لانتصار الأزد خاصة بعد انتصاره على المرزبان نفسه، فقد فت ذلك في عضد الفرس، في الوقت الذي رفع معنويات الجنود العمانيين، فانطلقوا يثخنون قتلا وأسرا في جنود الفرس ويطاردونهم يمينا وشمالا حتى اضطروا إلى الاستسلام، وهذا يدل على أن شجاعة القائد مالك بن فهم وجنوده كان لها أثر كبير في صنع هذا النصر.

الهوامش:

1- سميت هذه المعركة باسم سلوت نسبة إلى الموقع الذي جرت فيه وهو صحراء سلوت، وقد استمرت هذه الحرب التي لا يعرف تاريخها بالضبط ثلاثة أيام.
2- نظر تفاصيل هذه المعركة في كتابه: تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، ج 1 وقد عالجها من ص 23 إلى ص 30.
3- سليمان بن خلف الخروصي: ملامح من التاريخ العماني، الطبعة الثانية 1995، ص 99- 100.
4- مجموعة باحثين: الموسوعة العُمانية، مجلد 10، ص3871.
5- العَوْتبي، أبو المنذر سلمة بن مسلم (ت: ق5هـ/ 11م). الأنساب. جزءان، ط2، وزارة التراث القومي والثقافة، مسقط: 1984م.ش

اضف تعليق